ليلة القدر
الجمد لله.
- اختلفوا في سبب تسميتها (ليلة القدر)، قالوا: لأنها الليلة التي فيها تقدر مقادير السنة، قال ربنا:﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 4]. قال النووي:«وسميت ليلة القدر لما يكتب فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة». [شرح النووي على مسلم (8/ 57)]. وقال قوم : سميت بذلك لعظم قدرها، كقوله تعالى ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الأنعام: 91]. والمعنى أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر. [فتح الباري لابن حجر (4/ 255)].
وقيل القدر بمعنى التضييق كقوله تعالى ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ﴾ [الفجر: 16]. ومعنى التضييق فيها إخفاؤها عن العلم بتعيينها أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة. [فتح الباري لابن حجر (4/ 255)].
- وقد ورد في شأنها فصائل كثيرة :
* العبادة فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]. بما يكون فيها من الخير والنفع ، فلما جعل الله الخير الكثير في ليلة كانت خيرا من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما في هذه الليلة.
*ليلة فيها تنزل الملائكة ويترأسهم جبريل، قال ابن كثير:«يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة .. وأما الروح فقيل : المراد به هاهنا جبريل عليه السلام ، فيكون من باب عطف الخاص على العام . وقيل : هم ضرب من الملائكة». [تفسير ابن كثير - ت السلامة (8/ 444)]
*قال ربنا:﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥) ﴾ [القدر: 5]. فقيل أن الملائكة عليهم السلام تحيي أهل المساجد من المصلين، وقيل هي سالمة من الآفات وخير كلها ، ليس فيها شر إلى مطلع الفجر.
* عدد الملائكة ليلتها أكثر من عدد الحصى، قال ﷺ :«إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى». [مسند أحمد (16/ 428 ط الرسالة)]
*يقدر الله فيها مقادير الأرزاق والآجال. قال ربنا:﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4].
*قيامها مغفرة للذنوب، قال رسول الله ﷺ:«من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه». [صحيح البخاري (3/ 26 ط السلطانية)].
*لا يخرج ليلتها الشيطان حتى يطلع الفجر، قال رسول الله ﷺ:«لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها». [صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (5/ 181)].
- أما تعيين ليلتها فقد اختلفوا فيها اختلافا عظيما ذكر منها في فتح الباري ما لم يذكره غيره، وقد وصلت الأقوال فيها إلى 46 قولا.
والخلاف راجع للأحاديث المتعارضة فيها، وكذا الأحاديث الضعيفة التي اعتمد عليها بعض أهل العلم.
ويمكن القول أن الرسول ﷺ كان يعلم في البدء تعيين ليلة القدر، ثم إن الله العليم الحكيم قد أنساه إياها، فعن عبادة بن الصامت قال:«خرج علينا رسول الله ﷺ وهو يريد أن يخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال رسول الله ﷺ: إني خرجت إليكم، وأنا أريد أن أخبركم بليلة القدر، وكان بين فلان وفلان لحاء فرفعت، وعسى أن يكون خيرا، فالتمسوها في العشر الأواخر: في الخامسة والسابعة والتاسعة ». [مسند الدارمي - ت حسين أسد (2/ 1118)]. وبقي الحال كذلك إلى وفاته عليه الصلاة والسلام.
وما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعد يعلم وقتها، فإنه لا ينبغي لأحد من الصحابة ولا من غيرهم أن يحدد وقتها، وعلى جميع المسلمين علماء وغير علماء أن يكتفوا بالتماسها وتحريها في العشر الأواخر، فهي لا تعدو أن تكون إما ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين.
فهي في الوتر من العشر الأواخر قطعا عن عائشة قالت: «كان رسول الله ﷺ يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان». [صحيح البخاري (3/ 47 ط السلطانية)].
- سبق لنا بيان علامات ليلة القدر (هنا).
- يستحب إحياء ليلتها بالقيام والذكر والدعاء ويردد ما ورد في السنة، عن عائشة قالت: «قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو» فاعف عني». [سنن الترمذي (5/ 490 ت بشار)]. واما زيادة "كريم" فلا أصل لها.
- الحائض هي أيضا تحيي ليلتها من غير صلاة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.». [صحيح البخاري (3/ 47 ط السلطانية)]. أي غالبه بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن، قال النووي: أي استغرق بالسهر في الصلاة وغيرها.
المجيب : أ.د قاسم اكحيلات.